الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)
وقوله أيضاً: ولا شك أن عبد، وأعبد بمعنى: أنف، أو غضب ثابت في لغة العرب، وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة، ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا ملجئ إليه، ومن التعسف الواضح.وقد ردّ ابن عرفة ما قالوه فقال: إنما يقال عبد يعبد، فهو: عبد، وقلّ ما يقال: عابد، والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة، ولا الشاذ. قرأ الجمهور: {ولد} بالإفراد، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما: {ولد} بضم الواو، وسكون اللام {سبحان رَبّ السموات والأرض رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} أي: تنزيهاً له، وتقديساً عما يقولون من الكذب بأن له ولداً، ويفترون عليه سبحانه ما لا يليق بجنابه، وهذا إن كان من كلام الله سبحانه، فقد نزه نفسه عما قالوه، وإن كان من تمام كلام رسوله الذي أمره بأن يقوله، فقد أمره بأن يضمّ إلى ما حكاه عنهم بزعمهم الباطل تنزيه ربه، وتقديسه {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ} أي: اترك الكفار حيث لم يهتدوا بما هديتهم به، ولا أجابوك فيما دعوتهم إليه يخوضوا في أباطيلهم، ويلهوا في دنياهم {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ} وهو: يوم القيامة، وقيل: العذاب في الدنيا، قيل: وهذا منسوخ بآية السيف، وقيل: هو غير منسوخ، وإنما أخرج مخرج التهديد.قرأ الجمهور: {يلاقوا}، وقرأ مجاهد، وابن محيصن، وحميد، وابن السميفع: {حتى يلقوا} بفتح الياء، وإسكان اللام من غير ألف، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو. {وَهُوَ الذي في السماء إله وَفِى الأرض إله} الجار، والمجرور في الموضعين متعلق بإله؛ لأنه بمعنى: معبود، أو مستحق للعبادة، والمعنى: وهو الذي معبود في السماء، ومعبود في الأرض، أو مستحق للعبادة في السماء، والعبادة في الأرض. قال أبو عليّ الفارسي: {وإله} في الموضعين مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو الذي في السماء هو إله، وفي الأرض هو إله، وحسن حذفه لطول الكلام، قال: والمعنى: على الإخبار بإلاهيته، لا على الكون فيهما. قال قتادة: يعبد في السماء، والأرض، وقيل: في بمعنى على، أي: هو القادر على السماء، والأرض كما في قوله: {وَلأصَلّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النخل} [طه: 71] وقرأ عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وابن مسعود: {وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله} على تضمين العلم معنى المشتق، فيتعلق به الجار والمجرور من هذه الحيثية {وَهُوَ الحكيم العليم} أي: البليغ الحكمة الكثير العلم {وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} تبارك: تفاعل من البركة، وهي: كثرة الخيرات، والمراد بما بينهما: الهواء، وما فيه من الحيوانات {وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} أي: علم الوقت الذي يكون قيامها فيه {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيجازي كلّ أحد بما يستحقه من خير، وشرّ، وفيه وعيد شديد. قرأ الجمهور: {ترجعون} بالفوقية، وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، بالتحتية {وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة} أي: لا يملك من يدعونه من دون الله من الأصنام، ونحوها الشفاعة عند الله كما يزعمون أنهم يشفعون لهم. قرأ الجمهور {يدعون} بالتحتية، وقرأ السلمي، وابن وثاب بالفوقية {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} أي: التوحيد {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: هم على علم، وبصيرة بما شهدوا به، والاستثناء يحتمل أن يكون متصلاً، والمعنى: إلا من شهد بالحق، وهم: المسيح، وعزير، والملائكة، فإنهم يملكون الشفاعة لمن يستحقها.وقيل: هو منقطع، والمعنى: لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء، ويجوز أن يكون المستثنى منه محذوفاً، أي: لا يملكون الشفاعة في أحد إلا فيمن شهد بالحق. قال سعيد بن جبير، وغيره: معنى الآية: أنه لا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق، وآمن على علم، وبصيرة.وقال قتادة: لا يشفعون لعابديها، بل يشفعون لمن شهد بالوحدانية. وقيل: مدار الاتصال في هذا الاستثناء على جعل الذين يدعون عاماً لكل ما يعبد من دون الله، ومدار الانقطاع على جعله خاصاً بالأصنام. {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} اللام هي: الموطئة للقسم، والمعنى: لئن سألت هؤلاء المشركين العابدين للأصنام من خلقهم أقرّوا واعترفوا بأن خالقهم الله، ولا يقدرون على الإنكار، ولا يستطيعون الجحود لظهور الأمر، وجلائه {فأنى يُؤْفَكُونَ} أي: فكيف ينقلبون عن عبادة الله إلى عبادة غيره، وينصرفون عنها مع هذا الاعتراف، فإن المعترف بأن الله خالقه إذا عمد إلى صنم، أو حيوان، وعبده مع الله، أو عبده وحده، فقد عبد بعض مخلوقات الله، وفي هذا من الجهل ما لا يقادر قدره. يقال: أفكه يأفكه إفكاً: إذا قلبه، وصرفه عن الشيء، وقيل: المعنى: ولئن سألت المسيح، وعزيراً، والملائكة من خلقهم؟ ليقولنّ: الله، فأنى يؤفك هؤلاء الكفار في اتخاذهم لها آلهة. وقيل: المعنى: ولئن سألت العابدين، والمعبودين جميعاً. قرأ الجمهور: {وقيله} بالنصب عطفاً على محلّ الساعة، كأنه قيل: إنه يعلم الساعة، ويعلم قيله، أو عطفاً على سرّهم، ونجواهم، أي: يعلم سرّهم، ونجواهم، ويعلم قيله، أو عطفاً على مفعول يكتبون المحذوف، أي: يكتبون ذلك، ويكتبون قيله، أو عطفاً على مفعول يعلمون المحذوف أي: يعلمون ذلك، ويعلمون قيله، أو هو مصدر أي: قال قيله، أو منصوب بإضمار فعل، أي: الله يعلم قيل رسوله، أو هو معطوف على محل بالحقّ، أي: شهد بالحق، وبقيله، أو منصوب على حذف حرف القسم. ومن المجوّزين للوجه الأوّل: المبرد، وابن الأنباري، ومن المجوّزين للثاني الفرّاء، والأخفش، ومن المجوّزين للنصب على المصدرية الفراء، والأخفش أيضاً. وقرأ حمزة، وعاصم: {وقيله} بالجرّ عطفاً على لفظ الساعة، أي: وعنده علم الساعة، وعلم قيله، والقول والقال، والقيل بمعنى واحد، أو على أن الواو للقسم. وقرأ قتادة، ومجاهد، والحسن، وأبو قلابة، والأعرج، وابن هرمز، ومسلم بن جندب: {وقيله} بالرفع عطفاً على علم الساعة أي: وعنده علم الساعة، وعنده قيله، أو على الابتداء، وخبره الجملة المذكورة بعده، أو خبره محذوف تقديره، وقيله كيت، وكيت، أو وقيله مسموع. قال أبو عبيد: يقال: قلت قولاً، وقيلاً، وقالاً، والضمير في {وقيله} راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال قتادة: هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه، وقيل: الضمير عائد إلى المسيح، وعلى الوجهين، فالمعنى: أنه قال منادياً لربه: {يارب إِنَّ هَؤُلآء} الذين أرسلتني إليهم {قَوْم لاَّ يُؤْمِنُونَ}.ثم لما نادى ربه بهذا أجابه بقوله: {فاصفح عَنْهُمْ} أي: أعرض عن دعوتهم {وَقُلْ سلام} أي: أمري تسليم منكم، ومتاركة لكم. قال عطاء: يريد مداراة حتى ينزل حكمي، ومعناه: المتاركة كقوله: {سلام عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الجاهلين} [القصص: 55].وقال قتادة: أمره بالصفح عنهم، ثم أمره بقتالهم، فصار الصفح منسوخاً بالسيف، وقيل: هي محكمة لم تنسخ {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} فيه تهديد شديد، ووعيد عظيم من الله عزّ وجلّ. قرأ الجمهور: {يعلمون} بالتحتية، وقرأ نافع، وابن عامر بالفوقية. قال الفراء: إن {سلام} مرفوع بإضمار عليكم.وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث والنشور، عن ابن عباس في قوله: {وَنَادَوْاْ يامالك} قال: يمكث عنهم ألف سنة، ثم يجيبهم {إِنَّكُمْ ماكثون}.وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها، قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، فقال واحد منهم: ترون أن الله يسمع كلامنا؟ فقال واحد منهم: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع، فنزلت: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونجواهم} الآية.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} يقول: إن يكن للرحمن ولد {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} قال: الشاهدين.وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في قوله: {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} قال: هذا معروف من كلام العرب إن كان هذا الأمر قط، أي: ما كان.وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه.
|